المواهِب في غياهِب المجهول!
إياد الصالحي
واحدة من أقسى الظروف التي تمرّ بها الرياضة العراقيّة منذ مطلع العام الجاري 2025 هي تأخير منح حقوق العاملين في مفاصل عدّة لا سيّما تلك التي تشرف عليها وزارة الشباب والرياضة ممثلة الحكومة في قطاّع الرياضة، والتي يفترض أن تكون آلية منح الحقوق فيها لا تشوبها أيّة نقطة سلبيّة تقوّض الثقة بين مسؤولي الوزارة المعنيين في تصريف شؤون أعمالها وبين الكوادر المنفذة للمشاريع “الحيويّة البشريّة” المتصلة ببناء قاعدة واسعة لجميع الألعاب من الفئات العمريّة ضمن مراكز وطنيّة تعنى بالموهبة والبالغة أحّد عشر مركزًا تابعًا للوزارة.
منذ سبعة أشهر يعاني المدرّبون والإداريّون المشرفون على تنمية مهارات الموهوبين الصغار من عدم تسلّمهم الحقوق الماديّة المتفق عليها في وثائق التعاقد معهم والمودَعة لدى الدائرة القانونيّة نسخًا منها لأغراض المُصادقة ولم تستكمل حتى الآن – بحسب ما نقل إلينا من داخل المراكز المتخصّصة برعاية النشء الجديد – وأغلبهم ممّن قضوا أنصاف حياتهم في ميدان الرياضة، مُخلصين في العطاء، وأوفياء في عهودهم، ومُجدّين في برامجهم، وصادقين في ترجمة تعاونهم مع “الدكتور حسن علي كريم الحسناوي” وكيل وزير الشباب والرياضة لشؤون الرياضة، وهو المشرف الأوّل على مراكز الموهبة ومهندس مشروع الاهتمام بقاعدة الألعاب، والمُكرّس كُلّ وقته من أجل حصد ثمار جهود سنوات طويلة بدأت عام 2011، والمتحدّي لعراقيل ماليّة وفنية ولوجستية نتيجة تعاقب أكثر من وزير حاملاً حقيبة الشباب والرياضة قد يتفق أو يعترض على تفاصيل دقيقة في العمل لأسباب مختلفة ثم ما يلبث أن يترك المسؤوليّة لمن يأتي بعده!
منذ زمن الوزير جاسم محمد جعفر، تعرّض مشروع الموهبة إلى تلكّؤات أغلبها مصطنعة حتى في عهود الوزراء الأربعة عبدالحسين عبطان ود.أحمد رياض وعدنان درجال ود.أحمد المبرقع لم تكن مراكز الموهبة بالمستوى الطموح الذي تم التخطيط له على أيدي فريق الحسناوي، وظلّت تحت الاختبار والتجريب والتغيير في كوادرها، تعاني شحّة الميزانيّة، على عكس ما وعِدَت به قبيل استحصال الموافقات الرسميّة على تأسيسها!
في زمن الوزير الحالي د.أحمد المبرقع لم تحظ كثير من ملفات الرياضة ومنها “مراكز الموهبة” بالاهتمام الكافي مثلما استنفرت ملاكات وزارته لأنشطة ثقافيّة وفنيّة وورش تمكين الشباب بنسبة أكبر من واجباته تجاه الرياضة وحقوق الرياضيين ومشاريعهم، بدليل معاناة العاملين في مراكز الموهبة من عدم حصولهم على حقوقهم الماديّة كما أسلفنا منذ كانون الثاني الماضي، وهو أمر غير مقبول ولا يرضاه “الوزير المبرقع” نفسه المسؤول التنفيذي الأوّل عن مشاريع الوزارة الستراتيجيّة.
هناك تفاصيل مؤشّرة إعلاميًّا من خلال مصادر موثوقة تؤكّد خضوع بعض المراكز مثل (المصارعة) إلى إيقاف انشطتها كما حصل مع مركز الموهبة للمصارعة في نينوى حيث فوجىء البطل الدولي السابق ظافر إبراهيم “مشرف الفريق” بأمر إغلاق مدرسته التخصّصيّة التابعة إلى المركز المذكور منذ شهور طويلة دون معرفة الأسباب الحقيقيّة والتي برَّرها له بعض مسؤولي الوزارة بأن تجربة مراكز الموهبة تخضع للتقييم والدراسة، وهذا أمر حسن، لكن لماذا يُحرم الموهوبون الصغار من مواصلة التدريب في مدرستهم المُغلقة، هل يعلم الوزير أن أغلبهم قاطع الرياضة وأنشغل بهوايات أخرى أخذتهم بعيدًا عن رياضتهم التي استنزفت جهود عامين من العمل المثابر والتنقل بين المحافظات من أجل المشاركة في البطولات؟
هناك مهرجانات عدّة حضرها الوزير المبرقع وآخرها قبل شهرين لجميع المراكز، وأثنى على نشاط المدرّبين واللاعبين والإداريين خاصّة كرة القدم التي تحتضن قرابة 120 موهوبًا بإشراف الخبير المعروف داود العزاوي، وأكّد صواب نهج الوزارة باستمرار المراكز في رعاية الصغار، فكيف يجري ذلك من دون دعم مادي؟ والأهم من كُلّ ذلك إذا كانت حصيلة عمل المراكز للفترة (2025-2011) أي 14 عامًا هي بروز موهوب واحد ( الربّاع علي عمّار يسر ) خريج مركز الموهبة، هذا يعني يوجد خلل كبير في عمل المشروع أو عدم المحاسبة الجدية من قبل الوزارة وربّما تسمية مدرّبين غير كفوئين أو انعدام الشفافيّة في مصارحة المسؤول! وإن صحّ كُلّ ذلك، فما الغاية من تشغيل هذا العدد الكبير من المتعاقد معهم في المراكز وتفرّغ الموظفين المتخصّصين لها؟
آن الأوان أن تضع الحكومة يدها على نفقات ماليّة كبيرة نتيجة توسّع المشاريع ذات الهدف المشترك، فمراكز الوزارة من جهة واتحادات الأولمبيّة من جهة أخرى والأندية الرياضيّة كلّها ترفع شعار رعاية الموهوبين وصناعة البطل الأولمبي واستقطاب الهواة من المدارس والأزقة، والنتيجة مشاركات عربيّة وقاريّة وأولمبيّة مُخجلة ومبرّرات جاهزة لردع المُنتقدين تشكو نقص مستلزمات صناعة البطل وفي مقدّمتها غياب منشآت التدريب النظاميّة وعدم توحيد برامج التدريب في مؤسّسة واحدة، وشحة الدعم المالي! وإذا ما سلّمنا صحّة المبرّرات فلا مسوّغ